هَكَذَا أَخُطُّ كَلِمَةَ “صَاحِبٌ” وَ هَكَذَا يَخُطُّهَا الجَمِيعُ أَوَ كَمَا يَخُطُّهَا أكثَرُنَا دُونَ التَشكِيلَ “صاحب”. إفتَح أَى مِن الكُتُب، قَدِيمَة كَانَت أَو حَديَِثَة، سَابِقَة لنِزُولِ القُرءَانِ أَم لَاحِقِة، ستَجِدهَا جَمِيعًا تَخُطُّهَا هَكَذَا → “صاحب” وَ قَلِةٌ قًد تُشكِّل الكَلِمَة فَتُصبِحُ “صَاحِبٌ”.
وَ لُنزِيدُ مُستَوى التَحَدِى فَمَن مِنهُم جَاءَ مُنفَردًا و يُغَاير كُلَّ الكُتُب الأُخرَى ليَأتِى بخَطٍّ جَدِيدٍ لِلكَلِمَةِ فُيَخُطَّهَا “صَـٰحِب”؟
وَ ليَزِيدَ التَحَدِى إِعجَازًا فيَأتِى بالخَطَّينِ وَ يُبدِّل بَينَهُمَا، فَتَجِد أنّ الخَطَّ الجَدِيدَ للكَلِمَةِ جَاءَ ليَنقِل بُعدًا ثَالثًا للكَلِمَةًِ لَم يَكُن ليُنقَل لَنَا لَولَا هَذَا التغِيِير اللَّطِيف فِى الخَطِّ؟
إِنَّهُ فَقَط القُرءَانُ الذَى خَالَفَ القَاعِدَة عِندَمَا خَطِّ الكَلِمَةِ مَرَّاتٌ بشَكلِهَا المأَلُوفِ بِالأَلفِ فَاصِلاً الكَلِمَة عَن بَعضَهَا هَكَذَا “صَاحِب” كَمَا فِى ءَايَةِ سُورَةِ الكَهفِ
قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍۢ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍۢ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلًۭ
وَ مَرَّاتٌ أُخَر بأَلِفٍ مَرفُوعَةٍ فَتُبقِى الكَلِمَةُ مُتَلاحِمةُ الحُرُوفِ هَكَذَا “صَـٰحِب” كَمَا جَاءَت فِى نَفسُ السُورَةِ وَ نَفسُ السِياقِ
وَكَانَ لَهُۥ ثَمَرٌۭ فَقَالَ لِصَـٰحِبِهِۦ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَنَا۠ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًۭا وَأَعَزُّ نَفَرًۭا
وَ هَذَا خَطٌّ فَرَيدٌ لَا نَجِدَهُ إِلّاَ فِى كِتَـٰبِ اللهِ وَ لَا نَجِدُ لَهُ مَثَلٌ بَيَن مَا خَطَّتُهُ أَيدِى الإِنسَانِ مِن قَبلِ نُزُولِ القُرءَانِ وَ حَتَى يَومَنَا هَذَا.
وَ هَذَا مِمَا يُثِيرُ الفُضُولَ فِى النَفسِ وَ يَدفَعُنَا لِتَدَبُّرِ الأَيَاتِ لَعَلَّنَا نَكتَشفُ الغَايَةَ مِن وَرَاءِ تَغَيِيِرِ خَطِّ الكَلِمَةِ فِى ءَايَاتٍ عَن ءَايَاتٍ. فَلنَبدَأَ إِذًا رِحلَتُنَا فِى رِحَابِ كِتَـٰبِ اللهِ.
نَبدَأُ دِرَاسَةَ مَوضُوعُنَا بِتَرتِيلِ الأَيَاتِ التِى جَاءَت بِهَا كَلِمَة صَاحِب وَ مُشتَقَّتها كالتَالِى:
أَولًا البَحثُ عَن كُلِّ الأَيَاتِ التِى وَرَدَت بِهَا كَلِمَة صَاحِب وَ مُشتَقَّتها بِإستِخدَامِ مُحَرِك البَحثِ فِى القُرءَانِ بالجِذرِ
https://rabanyoon.com/root/صحب
ثَانِيًا تَرتِيلُ الأَيَاتِ مَعًا
وَ مِمَا رَتِّلنَاهُ مِن الأَيَاتِ يَتَضَحُ لَنَا جَلِيًا الغَايَةُ مِن وَرَاءِ تَغَيِيُر خَطُّ الكَلِمَةِ بَينَ الأيَاتِ، فَتأَمَّل مَعِى:
فَالصُحبَةُ هِى مُلَازَمَة إَثنَينِ أَو أَكثَر سَوِيًا لفَتَرةٍ مِنَ الزَمَن، وَ لَكِن القُرءَان ءَاتَى بِبُعدٍ جَدِيدٍ لِلكَلِمَةِ وَ هُوَ القُربُ و البُعدُ المَعنَوى بَينَ أَطرَافِ الصُحبَةِ، فإِذَا مَا قَرُبَت الصُحبَة بَينَهمَا رُفِعَ حَرفَ الأَلِفِ فَزَادَ تَلَاحُم حُرُوفِ الكَلَمَةِ فيَنقِل لَنَا القُربُ المَعنَوى بَينَ الأَصحَـٰبِ فِى هَذِه اللَّحظَة أَو الفَتَرَة. أمَّا إِذَا بَعدَت المسَافَة المَعنَويةِ بَينَهُم لإِختِلَافِ الإيمَان وَ السلُوكِ جَاءَت الألِفُ فَاصِلةٍ بَينَ حِرُوفِ الكَلِمَةِ فتَنقِلُ لَنَا البُعدُ الحَادِثُ فِى الوَاقِعِ بخَطِّ الكَلِمَةِ!
وَ لَنَا مِثَالٌ وَاضِح فِى الحِوارِ الذى دَارَ بَينَ صَاحِب الجَنتَينِ وَ صَاحِبِهِ المُؤمِنِ فِى سُورَةِ الكَهۡف
وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلًۭا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَٰبٍۢ وَحَفَفْنَٰهُمَا بِنَخْلٍۢ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًۭا ﴿٣٢﴾ كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْـًۭٔا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَٰلَهُمَا نَهَرًۭا ﴿٣٣﴾ وَكَانَ لَهُۥ ثَمَرٌۭ فَقَالَ لِصَٰحِبِهِۦ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَنَا۠ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًۭا وَأَعَزُّ نَفَرًۭا ﴿٣٤﴾ وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ ظَالِمٌۭ لِّنَفْسِهِۦ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدًۭا ﴿٣٥﴾ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةًۭ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْرًۭا مِّنْهَا مُنقَلَبًۭا ﴿٣٦﴾ قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍۢ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍۢ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلًۭا ﴿٣٧﴾ لَّٰكِنَّا۠ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّى وَلَآ أُشْرِكُ بِرَبِّىٓ أَحَدًۭا ﴿٣٨﴾ وَلَوْلَآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالًۭا وَوَلَدًۭا ﴿٣٩﴾ فَعَسَىٰ رَبِّىٓ أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًۭا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًۭا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًۭا زَلَقًا ﴿٤٠﴾ أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْرًۭا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُۥ طَلَبًۭا ﴿٤١﴾ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّىٓ أَحَدًۭا ﴿٤٢﴾ وَلَمْ تَكُن لَّهُۥ فِئَةٌۭ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا ﴿٤٣﴾ هُنَالِكَ ٱلْوَلَٰيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌۭ ثَوَابًۭا وَخَيْرٌ عُقْبًۭا ﴿٤٤﴾ سُورَةُ الكَهفِ
نَجِدهَا جَاءَت “لِصَٰحِبِهِ” فِى أَولِ الحِوَارِ عِندَمَا كَانَت الصُحبَة قَريبَة بَينَ الرَجُليَنِ، لَكن بمُجَرَدِ تَبيِّن كُفر صَاحِبِهِ لَهُ، وَقَعَ البُعدُ المَعنَوى بَينَ المُؤمِنِ وَ صَاحِبِهِ و لذَٰلِك تَغَيَر الخَطِّ إِلَى الألِف الفِاصَلةِ “صَاحِبُهُ”. وَ نَجدُ مِثلَ هَذَا التَعبِير بالخَطِّ مُتكَرِرًا فِى أَيَاتٍ مُتعَددِةٍ
فِى الصُحبَة القَريِبَة بَينَ النَبِيِ وَ صَـٰحِبِهِ فِى السَفَرِ عِندَمَا أَخَرَجُهُمَا الذِينَ كَفَرُوا
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٍۢ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٤٠﴾ سُورَةُ التَّوۡبَةِ
وَ نَجِدهَا جَاءَت لتُصوِر الفُرٍِقَة المَعنَوِية بَينَ الذِينَ كَفَرُوا وَ الرَسُول وَ إِن كَانَت بَينَهُم صُحبَة المَكَانِ وَ الزَمَانِ وَ مَعِرفَتِهِم لَهُ وَ تَعَامُلهم المُبَاشِر مَعهُ
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴿٢﴾ سُورَةُ النَّجۡمِ
وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍۢ ﴿٢٢﴾ سُورَةُ التَّكۡوِيرِ
وَ نَجِدهَا جَمَعَت الأَصحَـٰبَ بإِجتمَاعِهم فِى نَفسِ المَكَانِ وَ الزَمَانِ وَ السِلوكِ وَ التَوَجهِ فلا إِختِلَاف فِكرىِ أَو إِيمَانى بَينَهُم
كإِجتِمَاع أَصْحَٰب الأَيكَة عَلَىٰ كُفرِهم بالرُسِلِ
وَإِن كَانَ أَصْحَٰبُ ٱلْأَيْكَةِ لَظَٰلِمِينَ ﴿٧٨﴾ سُورَةُ الحِجۡرِ
وَ أَصْحَٰبُ ٱلرَّسِّ
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍۢ وَأَصْحَٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ ﴿١٢﴾ سُورَةُ قٓ
و أَصْحَٰبُ ٱلْحِجْرِ
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَٰبُ ٱلْحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿٨٠﴾ سُورَةُ الحِجۡرِ
وَ أَصحَـٰبُ الجَنَّةِ بِإشترَاكِهم فِى العَمَل الصَالِحِ وَ وُجُودِهم مَعًا فِى الجَنَّة
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴿٨٢﴾ سُورَةُ البَقَرَةِ
وَ أَصحَـٰبُ النَّارِ بِإشترَاكِهم فِى العَمَل السَيِئ وَ وُجُودِهم مَعًا فِى النَّارِ
وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴿٣٩﴾ سُورَةُ البَقَرَةِ
فسُبحَانَ ربَّ العَالمِين الذِى أَنزَلَ الكِتَـٰبَ بُرهَان مِن عِندِه وَ هُدى وَ بُشرَى للمُتقِين. فبأى كِتَـٰبٍ أخَرَ نَجدُ مِثلَ هَذَا الإحكَام فِى الإسلُوبِ بَينَ الأَيَاتِ وَ هَذَا التمَّكُن وَ الإِبدَاعِ فِى الخَطِّ؟
وَ يَبقَى التَحدِى لكُلِ مُرتَابٍ فِى ألُوهِيةِ الكِتَـٰبِ بأَن تَأتُوا بِسُورَةٍ مِن مثلِهِ
وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍۢ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا۟ بِسُورَةٍۢ مِّن مِّثْلِهِۦ وَٱدْعُوا۟ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿٢٣﴾ سُورَةُ البَقَرَةِ
وَ لَا يَأتُونَ بمِثلِهِ وَ لَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيرًا
قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍۢ ظَهِيرًۭا ﴿٨٨﴾ سُورَةُ الإِسۡرَاءِ